التصريحات المنسوبة إلى مسؤول مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن القومي الأميركي حول سوريا مضللة

نسبت وسائل إعلام إلى جانب صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخراً، تصريحات إلى المدير الأول لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي، سيباستيان غوركا، ورد فيها “نريد سوريا مركزية يمثل فيها الجميع تمثيلاً حقيقياً”.

تحرى فريق “ترو بلاتفورم” صحة الادعاء، وأجرى بحثاً عبر  غوغل، كما ترجم التصريحات، وتبين أن المتداولة منها تتضمن تضليلاً.

وجاء في التصريحات المنسوبة للمسؤول الأمريكي أنه قال: “يجب على تركيا وإسرائيل التوصل إلى آلية عمل بشأن مستقبل سوريا” و”السعودية وتركيا وإلى درجة معينة قطر، لديهم دور يلعبونه في سوريا” و”مشكلات سوريا لن تحل باحتضان النظام الحالي فقط”.

 ترجمة المقابلة:

أظهر البحث أن آخر تصريحات تطرق فيها المسؤول الأمريكي إلى الشأن السوري هي المداخلة التي أجراها، خلال ندوة نظمها معهد هادسن – مركز السلام والأمن في الشرق الأوسط، حيث استعان فريق “ترو بلاتفورم” بمترجم، كما قاطع مع ترجمة منشورة من جانب صحفيين سوريين.

في المداخلة التي استمرت لساعة كاملة دار الحديث حول سوريا من الدقيقة 22:00 وحتى الدقيقة 17:15، أي لنحو 5 دقائق فقط، وجاء الحديث في سياق، وصفه المحاور بـ “محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط”.

بدأ سيبستيان حديثه بشكر إسرائيل والقول: “إن إسرائيل في عملياتها بعد السابع من أكتوبر أعادت رسم خريطة الشرق الأوسط في الخمسين أو المئة سنة القادمة، وأنه مع سقوط نظام الأسد لم يعد للميليشيات الإيرانية ملاذ آمن أو طريق إمداد عبر سوريا، وهو أحد أكبر الأشياء التي حققتها إسرائيل للعالم الحديث في العقد الأخير وأكثر من ذلك”.

وقال المسؤول الأمريكي: “ترمب قدم للجولاني، الجهادي السابق، عرض العمر، وقال هذه فرصتك بعد سقوط النظام لتجعل سوريا عظيمة مرة أخرى،… ونحن نعلم أن ذلك تم بطلب كل من السعودية وتركيا وبدرجة أقل قطر، وهؤلاء أرادوا أن يحدث ذلك، ولكن هل هذا سيحدث؟ هذا هو السؤال ؟”.

وتابع غوركا: “كما قلت هناك العديد من الأطراف المنخرطة في سوريا، من الأكراد في الشمال إلى إسرائيل إلى تركيا التي كانت لها علاقة وثيقة مع الجولاني في فترة سابقة، وأيضاً هناك روسيا التي تريد العودة إلى سوريا، وما سأقوله لكل الأطراف المعنية فيما يتعلق بالحالة السورية، أخيراً جاءت فرصتكم لجعل سوريا دولة فاعلة”. 

وأضاف: “لا أقول إن الأمر سيكون سهلاً، ففكرة أن الأكراد الذين أحبهم بشدة، والذين نزفوا معنا وقُتلوا طوال عشرين عاماً، يريدون أن يحافظوا بشكل ما على انفصال معين، كما أن الدروز وبسبب كل ما مروا فيه يريدون الانفصال عن دمشق، ولست متأكداً من أن ذلك لن يقود إلى حرب أهلية جديدة، وقد يضطر أبناؤهم وأحفادهم لخوضها”. 

المسؤول الأمريكي تابع: “بناء على توقعاتي سيعمل فريقي عن قرب مع المبعوث باراك لمساعدته في منح السوريين بجميع مكوناتهم فرصة الالتقاء، لكن لابد أن يكون هناك تمثيل حقيقي لجميع المكونات الطائفية في دمشق”. 

وأضاف غوركا: “دعوني أنقل الأمر إلى مستوى تكتيكي عملي، فبالنسبة لرئيسنا الذي يرى أننا في أمريكا عدنا إلى زمن كيسنجر، حيث أن وزير خارجيتنا يقوم أيضاً بمهام مستشار الأمن القومي، بالنيابة. رئيسنا، الوزير روبيو، لديه هدف مباشر وواضح، وهو ضمان ألا تحدث مجزرة أخرى في سوريا”.

وقال: “نحن ببساطة، لا نريد أن نأتي إلى العمل، ونقرأ في الإيجاز اليومي للرئيس أن مجزرة وقعت، سواء في السويداء أو في اللاذقية أو في أي مكان آخر بحق مجموعة ما، مسيحيين، علويين، دروز، أو أكراد. نريد أن نحاول التأكد من أن هذا لن يحدث في سوريا. لكن مع شرط واضح، نحن لن نقوم ببناء دول(أمة)، لأن الدولة الوحيدة التي يهتم هذا الرئيس ببنائها هي هذه الدولة: أمريكا”.

في الدقيقة 25:45 يعلق المحاور على إجابة غوركا السابقة، بالقول: “إذاً سوريا الموحدة، سوريا التي تحترم فيها السلطات المركزية التنوع الطائفي للسكان”، ليُعَقِبَ غوركا على تعليق المحاور بالقول: “وأن تكون تلك المكونات السكانية غير مهددة، وقادرة على الدفاع عن نفسها، وتحظى بدعم دمشق للقيام بذلك، بالإضافة إلى الشروط الأخرى، وهي أن يكون لكل من أنقرة والسعودية وقطر دور تلعبه”. 

من ثم يضيف المسؤول الأمريكي: “أنا أحاول أن أوصل رسالة مفادها أن المشاكل سوريا لن تحل عبر صفقة مشتركة أخرى في دمشق، بل ستُحل من جانب الأطراف التي لديها مصالح، وعبر إيجاد مخطط يقدم حد أدنى من التوافق بين مصالح هذه الأطراف، وبحيث يمكن لإسرائيل وتركيا التوصل إلى تسوية مؤقتة حول شكل سوريا المقبل”.

بعد تعليق جديد للمحاور يقول فيه: “إذا كان هذا هو الهدف والحالة النهائية المطلوبة، كيف سيتم ذلك؟” يردُّ المسؤول الأمريكي: “ما نعمل عليه حالياً هو محاولة جعل تلك الحكومة الحالية تمتلك القدرة في مجال مكافحة الإرهاب لمنع وقوع المجزرة التالية، هذا ما أعمل عليه”.

نتائج التحري:

– يتبين أن جملة “نريد سوريا مركزية” لم ترد حرفياً في حديث المسؤول الأمريكي، ولا حتى في تعقيب المحاور على إحدى إجابات غوركا حيث قال: “إذاً، سوريا موحدة تحترم السلطات المركزية فيها التنوع الطائفي للسكان”، وهنا جملة “سوريا موحدة” لا تعني بالضرورة سوريا مركزية.

– تُظهر الترجمة أن تصريحات المسؤول الأمريكي عمومية ذات طابع توافقي يراعي فيها حساسيات جميع الأطراف، سواء السورية أو الدول المنخرطة في الشأن السوري بخصوص مستقبل البلاد.

– التصريحات تبين أن الإدارة الأمريكية، لا تدعم خيار الانفصال في سوريا، وأنها تسعى للوصول إلى حل يكون نتاج توافق جميع الأطراف المعنية بسوريا، سواء المحلية السورية منها أو الدول الأخرى، كإسرائيل وتركيا والسعودية وقطر.

– تؤكد التصريحات استمرار الدعم الأمريكي للحكومة السورية، المشروط بـ”مشاركة حقيقة لجميع المكونات السورية” بحيث”تحظى بدعم دمشق” و “أن لا تكون عرضة للخطر” و “قادرة على حماية نفسها”.

– شدد المسؤول الأمريكي في حديثه على عدم “وقوع مجزرة جديدة في سوريا” لأربع مرات على الأقل، ذلك أن “ضمان عدم وقوعها” هدف مباشر بالنسبة لوزير الخارجية الأمريكي، كما أنهم لا يريدون أن “يقرؤوا مجدداً في الإيجاز الرئاسي اليومي وقوع مجزرة جديدة، سواء بحق مسيحيين، علويين، دروز، أو أكراد”، وأن ” تكون المكونات السكانية في سوريا غير مهددة، وقادرة على الدفاع عن نفسها”، كما أنه يعمل على “محاولة جعل تلك الحكومة الحالية، تمتلك القدرة في مجال مكافحة الإرهاب، لمنع وقوع المجزرة التالية”.

– التصريحات تؤكد أن الإدارة الأمريكية غير معنية بـ”بناء دولة، غير أمريكا”، ولم يرد فيها شكل الحكم الذي تريده واشنطن في سوريا، مركزي أم غير مركزي، وأن مشاكل سوريا لن تحل بإصدار الأوامر والتعليمات بل من جانب الأطراف المعنية فيها.

خلاصة:

– لم تذكر التصريحات بشكل مباشر أو غير مباشر، شكل نظام الحكم، هل هو مركزي أم غير مركزي.

– التصريحات بينت أن الدعم الأمريكي للحكومة السورية مشروط بإشراك مختلف المكونات السورية بشكل حقيقي، وشددت على عدم وقوع مجزرة جديدة في سوريا، بعد أحداث السويداء.

– التصريحات تبين أن الإدارة الأمريكية داعمة لوحدة سوريا، لكن وفق صيغة حل توافقي بين جميع المكونات السورية.

– التصريحات تبين أن واشنطن مع مشاركة الدول المعنية بسوريا في حل توافقي في سوريا، يراعي مصالح جميع الأطراف.

-الادعاء أن المسؤول الأمريكي قال إن “مشكلات سوريا لن تحل باحتضان النظام الحالي فقط”، تستند إلى تأويل وترجمة، غير دقيقة.

– الادعاء أن المسؤول الأمريكي قال إن بلاده تريد “سوريا مركزية يُمثل فيها الجميع تمثيلاً حقيقياً” تستند إلى تأويل وترجمة محرفة، بحيث اشتمل على حقائق وأكاذيب، لذا يمكن تصنيفه ضمن محتوى “مضلل” وفق منهجية “ترو بلاتفورم”.