نشرت صحيفة المدن اللبنانية، الأسبوع الفائت، خبراً نسبته لمصدر لم تسمه، جاء فيه أن “الرئاسة السورية أصدرت توجيهاً إلى جميع الوزارات، لمراجعة مذكرات التفاهم الموقعة مع الشركات المحلية والدولية، وتقييم مدى جدّيتها وتقدّمها على أرض الواقع”.
في ذات السياق، وبينما تناقلت مواقع وصفحات وحسابات الادعاء عن المدن، تداوله ناشطون وصحفيون وصفحات أخرى، وكأن قرار مراجعة مذكرات التفاهم قد صدر بالفعل، دون الإشارة إلى مصادر مختلفة.
ووفق التفاصيل التي أوردتها “المدن” فإن التوجيه نص على اعتبار أية “مذكرة لم تترجم إلى خطوات تنفيذية فعلية حتى تاريخ السبت 13 أيلول، تعتبر لاغية، ولن يترتب عليها أي التزام مستقبلي من قبل الدولة”.
أجرى فريق شبكة تدقيق المعلومات – True Platform، بحثاً عبر غوغل؟، وراجع المعرفات الرسمية التابعة لـ “الرئاسة السورية” والوزارات وبيانات الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، وتبين خلاف الادعاء.
نتائج البحث والتحري:
-لم يُسند الادعاء المتداول إلى مصادر صريحة وموثوقة.
-لم يُعثر على أي معلومة في المعرفات الرسمية لـ “الرئاسة السورية” والوزارات وبيانات الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، تثبت صحة الادعاء.
-لم يُعثر على أي خبر مماثل على وسائل الإعلام السورية الرسمية أو المستقلة، يثبت صحة الادعاء.
خلاصة:
-الادعاء أن الرئاسة السورية أصدرت توجيهاً لمراجعة مذكرات التفاهم الاستثمارية، لا يستند إلى مصادر صريحة ومعروفة.
-اعتراف الحكومة السورية، مؤخراً، بمشاركة شركات وهمية في مؤتمر الاستثمار، يفرض أن يكون أي قرار بمراجعة مذكرات التفاهم من خلال إعلان رسمي، لاستعادة الثقة وتعزيز الشفافية.
-تبين عدم توفر الحقائق بصورة كافية تسمح بتأكيد الادعاء أو نفيه، لذا صُنِّفَ ضمن محتوى “مشكوك فيه” وفق منهجية شبكة تدقيق المعلومات – True Platform.
خلفية:
في 6 آب/ أغسطس الفائت، أعلنت السلطات السورية عن توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات تفاهم استثمارية واقتصادية، بلغت قيمتها 14 مليار دولار أمريكي، شملت عدة قطاعات خدمية.
الاهتمام الشعبي والتفاؤل الكبير الذي رافق عمليات التوقيع، سرعان من تراجع وانحسر أمام تدقيق الحقائق الذي أجراه صحافيون ووسائل إعلام وباحثون، كشفوا من خلاله وجود العديد من إشارات الاستفهام أو شبهات غسيل الأموال المتعلقة ببعض الشركات التي كانت طرفاً في التوقيع، إضافة لكون عدد من الاتفاقيات مجرد مذكرات تفاهم غير ملزمة.
المشروع الذي سلطت عليه الأضواء أكثر من غيره، كان مشروع “الفراشات” العقاري الاستثماري الذي روج له رجع الأعمال السوري بسام السبع عبر الإعلام الرسمي، قائلاً حينها إن قيمته تصل إلى أكثر من ملياري دولار، لكن سرعان ما تبين أن صاحب المشروع ملاحق قضائياً وقد سبق أن صدرت بحقه قرارت حجز احتياطي بسبب ديون مستحقة من مشاريع سابقة.
ولم تنشر السلطات السورية حينها، أية تفاصيل متعلقة بمذكرات التفاهم التي وقعتها مع جهات وشركات عربية وأجنبية، واكتفت بذكر معلومات رئيسية متعلقة بنوع الاتفاقية وتكلفتها، دون الإشارة إلى وجود شروط مرتبطة بتاريخ أو إجبارية تنفيذها.
بعد أسابيع من الظهور والمعلومات المثيرة للجدل التي قدمها بسام السبع حول مشروعه وشركته، عبر الإعلام الرسمي، ظهر وزير الاقتصاد السوري نضال الشعار، في مقابلة مصورة، وأكد فيها في إشارة غير مباشرة للسبع ومشروعه، أنه “من المفروض أن تخضع هذه الشركات للتحقق، ومعرفة أصولها وخلفياتها قبل توقيع عقود واتفاقيات معها، وقد تحدث بعض الأخطاء في زحمة الأحداث والاستثمارات، وقد يحدث ذلك سهواً أو بناء على ثقة شخصية أو أرقام مذهلة”.
ومجدداً، فتح الوزير بتصريحه هذا باب التساؤلات والتشكيك بأية صفقة أو اتفاق أو مذكرة تفاهم، يمكن أن تكون هي الأخرى وهمية أو مضللة، ما يجعل خبر “إصدار الرئاسة لتوجيه بمراجعة المذكرات” ضرورة تحتاج إلى إعلان رسمي عنها، في سبيل استعادة الثقة وتعزيز الشفافية.
-تتفق مواقع مالية وأكاديمية متخصصة، أن مذكرة التفاهم (MOU)، عبارة عن وثيقة رسمية تُحدد اتفاقاً بين طرفين أو أكثر. ورغم أنها غير مُلزمة قانوناً، إلا أن نفاذها النهائي يعتمد على القصد واللغة المُحددة المُستخدمة فيها. ومع ذلك، فهي تعكس التزام الأطراف بالمضي قدماً نحو عقد أكثر رسمية.
وعادة ما يأتي تطوير مذكرات التفاهم إلى اتفاقيات ملزمة بعد إجراء دراسات جدوى اقتصادية وفنية لتقييم جدوى المشروع من حيث التكاليف، العوائد المتوقعة، والمخاطر إضافة إلى تحليل السوق، والجدوى المالية، والتأثيرات البيئية والاجتماعية، واتفاق الطرفين عليها.
لذا فإن مذكرات التفاهم تعني إعلان نوايا وإطاراً للتفاوض حول تنفيذ مشاريع مستقبلية، بينما توقيع الاتفاقيات يعني أن لها إلزام قانوني وأن المشروع سيدخل مرحلة التنفيذ، وهو ما لم يحدث في أغلب المشاريع المعلنة.
وتظهر التجارب أن مذكرات تفاهم لمشاريع استثمارية دولية قد لا تنتهي إلى مشاريع فعلية إذ قد تفشل المفاوضات أو تتغير الظروف ومن الأمثلة على ذلك، مشروع “خط أنابيب نابوكو” للغاز وقعت مذكرات تفاهم بين 2002 و2010 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا ودول من البلقان والهدف نقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي ألغي في 2013.