فيديوهات ونصوص وتسجيلات تنسب لابن خلدون ما لم يقله

يتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متكرر، إضافة إلى مواقع وقنوات تلفزيونية عربية معروفة، نصاً عن أحوال “انهيار الدول” وينسبونه إلى ابن خلدون، وإلى مقدمته الشهيرة التي كتبها قبل نحو ستة قرون.

ويقول النص المزعوم: “عندما تنهار الدول يكثر المنجمون، والمتسولون، والمنافقون، والمدّعون، والكتبة، والقوالون، والمغنون النشاز، والشعراء النّظامون، والمتصعلكون، وضاربوا المنّدل وقارعوا الطبول، والمتفقهون، وقارئوا الكف والطالع والنازل، والمتسيّسون، والمدّاحون، والهجاؤون، وعابروا السبيل والانتهازيون”. 

ويرد في الزعم أنه قال: “يتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين، ويتحول الوطن إلى محطة سفر، والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب، والبيوت إلى ذكريات والذكريات إلى حكايات”.

وغالباً ما يتداول النص المذكور في سياق منشورات تحاول إسقاطه على واقع الاضطرابات الراهن والذي تعيشه العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، مثل سوريا وغيرها.

وتظهر القراءة الأولية للنص، والتدقيق في لغته والمفردات والمصطلحات والتراكيب المستخدمة فيه تطابقاً مع مفردات وتراكيب مألوفة معاصرة تثير الشك حول استخدامها قبل ستة قرون.

تحرى فريقTrue Platform حقيقة النص، وأظهر البحث عبر المصادر المفتوحة أن النص منتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة، لدرجة توهم صحة نسبه للعالم ابن خلدون.

كما أظهر البحث، أن للنص المزعوم صيغ مرئية وتسجيلات صوتية (بودكاست)، كما تداولته سابقاً وسائل إعلام عربية معروفة، كموقع قناة الجزيرة في تبويب مدونات، إضافة إلى حساب قناة NEWS TV  عربية.

ويبدو أن وزير الخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، كان قد استدل بالنص المذكور في تغريدة له على موقع تويتر، عام 2018، تناول فيها الأزمة السياسية بين قطر ومجموعة من الدول الخليجية حينها.

وبالعودة إلى كتاب المقدمة لابن خلدون المتوفر بصيغة PDF على شبكة الإنترنت، وإجراء بحث موسع عن النص المذكور، وبعض جمله ومفرداته المفتاحية، تبين ما يلي:

  • عبارة “عندما تنهار الدول” غير واردة في الكتاب بهذه الحرفية أو بصيغة أخرى.
  • الجمل والعبارات: ” يكثر المنجمون، والمتسولون، والمنافقون، والمدّعون، والكتبة، والقوالون، والمغنون النشاز، والشعراء النّظامون، والمتصعلكون، وضاربوا المنّدل، وقارعوا الطبول، والمتفقهون، وقارئوا الكف والطالع والنازل ” لا وجود لها في الكتاب بهذه الصيغ والمعاني.
  • كما أن العديد من المفردات المستخدمة في الجمل السابقة غير واردة أبداً في الكتاب مثل: “المتسولون والمنافقون والمدعون والنشاز والمتسيّسون والمدّاحون والهجائون وعابروا السبيل والانتهازيون”.
  • وردت بعض مفردات النص المزعوم في المقدمة، مثل “المنجمون” حيث وردت مرتين، لكن ورودها كان بسياقين يختلفان عن سياق ورودها في النص المتداول.
  • كتاب المقدمة هو في الأصل جزءٌ من سبعة أجزاء ألفها ابن خلدون تحت عنوان “العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر”.
  • إن الفصول التي يتحدث فيها ابن خلدون في «المقدمة» عن نهاية الدول ونهاية الملك، والتي أشار إليها بعض الكتاب العرب هي: «فصل في أنه إذا استحكمت طبيعة الملك من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة أقبلت الدولة على الهرم»، وفصل «في أن الظلم مؤذن بخراب العمران»، وفصل «في أن الحضارة غاية العمران ونهاية لعمره وأنها مؤذنة لفساده»، وفصل «في أن الأمصار التي تكون كراسي للملك تخرب بخراب الدولة وانتقاصها».. إلخ، «كل تلك الفصول في كتاب المقدمة لا علاقة لها بالجمل الغريبة المنسوبة لابن خلدون، فهو يتكلم عن العصبية والعمران وأجيال الحكم وعن بعض النواحي الأخلاقية، فيقول ابن خلدون: “ومن مفاسد الحضارة الانهماك في الشهوات والاسترسال فيها لكثرة الترف فيقع التفنن في شهوات البطن من المآكل والملاذ”.

في النتيجة:

النص المذكور لا يمت بصلة للعالم الشهير عبدالرحمن ابن خلدون. كما إن إعادة نشره من قبل وسائل إعلام مؤثرة، ومن قبل شخصيات عامة، ساهم في زيادة انتشاره كمعلومة مضللة.