نشرت قناة “معلومة لعقلك” على يوتيوب في 14 آذار/مارس 2023 تقريراً مصوراً حمل عنوان “لن تصدق ما هي عقوبة الزنا عند الغربان”، شمل جملة ادعاءات ومزاعم باسم العلم، وعالم الحيوان، كما استشهد بنصوص دينية إسلامية.
وزعمت القناة التي يتابعها 2.23 مليون شخص أن لطيور الغراب محاكم تتألف من قضاة ومتهمين، تماماً مثل ما لدى البشر.
وذهب التقرير أبعد من ذلك حيث زعم أن “محاكم الغربان أكثر عدلاً من محاكم البشر”.
وتنقسم الجرائم لدى الغربان إلى ثلاثة أقسام، لكل منها عقوبة محددة طبقاً للتقرير، والجريمة الأولى هي سرقة طعام صغار الغراب، وعقوبتها نتف ريش الطائر السارق حتى لا يتمكن من الطيران بين أقرانه.
والجريمة الثانية هي إتلاف عشٍ أو هدمه، وهنا تعقد محكمة خاصة تلزم الغراب المعتدي ببناء عش جديد بدل الذي هدمه.
أما الجريمة الثالثة فهي الاعتداء على أنثى واغتصابها، وهنا يعاقب المتهم بالقتل من خلال نقره، وتعقد للقتلى والمتوفين جنازة ومراسم دفن، وفق ما ورد في التقرير.
في نفس السياق والمحتوى نشرت قنوات تنشط على موقع يوتيوب في فترات مختلفة، مثل قناة “مجلة لماذا” والتي يتابعها 3.11 مليون شخص، وقناة “معلومات تهمك”، وحصدت هذه الفيديوهات ملايين المشاهدات.
وأظهر البحث، أن وسائل إعلام سورية وأخرى عربية، تحظى بمتابعة واسعة من الجمهور، نشرت مواداً حول ما يسمى بـ “محاكم الغربان”، دون أن تسند المعلومات التي ذكرتها إلى مصادرة معتبرة، مكتفية بذكر “دراسات علمية” دون تحديد هذه الدراسات، ومن هذه الوسائل، موقع أورينت نيوز السوري المعارض، وموقع فضائية الميادين اللبنانية، وموقع جريدة النهار اللبنانية، وهذا الأخير تحول إلى مصدر لمواقع أخرى، أعادت نشر ذات المعلومات باسم العلم.
لكن هل فعلاً تعقد الغربان محاكم رسمية وهل تعقد جنازات ومراسم دفن؟
تحرى فريق “TRUE” حقيقة الموضوع فوجد من خلال البحث على محرك غوغل عدة دراسات وأبحاث علمية تنفي المزاعم الواردة في الفيديوهات.
من بين هذه الدراسات كتاب “عقل الغراب” وهو كتاب مهم للباحث الأمريكي من أصول بولندية “بيرند هينريخ“، حيث ينفي فيه بشكل قطعي ما يشاع حول عقد الغربان لمحاكم وما إلى ذلك.
ينقل موقع “العلوم الحقيقية” في مقابلة أجراها مع الباحث عام 2020: “ليس لدي اهتمام بهذه الشائعات. الغربان يستثارون عندما يقتل فرد من المجموعة، في الوقت الذي قد لا تعير الحيوانات الاجتماعية اهتماماً لأمر كهذا، لكن أن يصل الأمر إلى دفن وجنازة؟ ليس هناك وجود لذلك”.
وكشف البحث أيضاً أن المزاعم التي تعتمدها هذه القنوات والتقارير مقتبسة من كتاب “آيات الإعجاز العلمي، الحيوان في القرآن الكريم”، لمؤلفه زغلول النجار، وقد تعرض الكتاب خلال السنوات الماضية لانتقادات علمية عديدة.
في بحث نشره موقع مؤمنون بلا حدود بعنوان “بين العقل والأسطورة: محكمة الغربان أنموذجاً” ينتقد الباحث سامح محمد إسماعيل ما ورد في كتاب زغلول النجار فيقول: “يستحق هذا الكلام المرسل وقفة مطولة؛ فالمؤمن لا يعنيه كثيراً أن يمتلك الغراب هذا النسق القانونى المهيب ليصدق قصة ابنيْ آدم من عدمها، فلماذا التدليس المهترئ والاختلاق الساذج لتأكيد الإيمان بشكل يضر بقضية الإيمان ذاتها”.
ويتابع الباحث: “هذا المشهد الأسطوري الأقرب إلى دنيا الحكايا وعوالم الحواديث، يعني أن الغراب طائر عاقل له كامل الأهلية، يسن القوانين والتشريعات، ويعقد المحاكمات التى تصدر أحكاماً يتم تنفيذها على الفور! فهل الغراب وفقا لذلك مكلف؟ فكائن يمتلك هذا النسق الأخلاقي والتنظيمي، لابد أن يكون مكلفاً من السماء، فلا يمكن أن يذهب هذا النضج التشريعي والفكري سدى “!!.
وفي النتيجة نجد أن الادعاء بأن الغربان تعقد محاكم، ومراسم جنازة، وتدفن القتلى والمتوفين، ادعاء غير صحيح، ولا أساس علمي له.
كما أن معظم هذه المزاعم مقتبسة من سرديات أوردها الباحث الإسلامي زغلول النجار في السطر 12 من الصفحة 407 من كتابه “آيات الإعجاز العلمي، الحيوان في القرآن الكريم” دون مسند أو منهجية علمية.