اعتبر البطريرك الماروني اللبناني بشارة بطرس الراعي، خلال رسالة الفصح في 8 نيسان/أبريل 2023 أن “اللاجئين السوريين يستنزفون مقدرات الدولة، ويعكرون الأمن الاجتماعي، ويسابقون اللبنانيين على لقمة عيشهم”.
وقال “الراعي” إن “اللاجئين يذهبون إلى سوريا ويعودون من معابر شرعية وغير شرعية بشكل متواصل ومنظور، والأسرة الدولية تحميهم على حساب لبنان لأسباب سياسية ظاهرة وخفية”، على حد وصفه.
ودعا إلى “وجوب العمل من قبل النواب والمسؤولين اللبنانيين مع الأسرة الدولية على إرجاعهم إلى وطنهم ومساعدتهم هناك”.
و أثارت تصريحات البطريرك موجة انتقادات واتهمه البعض بالتحريض على اللاجئين، خاصة أنه سبق أن أدلى بتصريحات أكثر حدة تجاه اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان.
فهل تنطوي تصريحات البطريرك على تحريض ضد فئة ضعيفة، يحميها القانون الدولي؟
تحرى فريق TRUE عن صحة الاتهامات التي أطلقها البطريرك الماروني حول اللاجئين السوريين في تصريحاته، وهي استنزاف مقدرات الدولة اللبنانية، وتعكير الأمن الاجتماعي، ومسابقة اللبنانيين على لقمة عيشهم، فوجد أنها اتهامات عامة، لا تستند على أدلة قطعية.
و أظهر البحث عبر المصادر المفتوحة، جملة من الحقائق تأتي كما يلي:
- تقدر الحكومة اللبنانية عدد اللاجئين السوريين في لبنان بنحو 1.5 مليون لاجئ، فيما قدر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم العدد بـ مليونين و80 ألف لاجئ، “وهما عددين أكثر بكثير من المسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والبالغ نحو 839 ألف لاجئ مسجل حتى تاريخ 31 مارس/آذار 2022.”
- قرّرت الحكومة اللبنانية في أيار عام 2015 تعليق عملية تسجيل المفوضية للاجئين السوريين في لبنان. كما “يُسمّي لبنان الأشخاص الذين فروا إليه من سوريا بعد مارس/آذار 2011 “نازحين مؤقتا” بدلا من “لاجئين”.
- خلص تقييم للمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة لأوجه الضعف لعام 2020 حول اللاجئين السوريين، “إلى أن 89بالمئة من أسر اللاجئين السوريين في لبنان كانوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وهو ارتفاع من 55بالمئة في منتصف عام 2019”.
- في أيلول/ سبتمبر 2021 أعربت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عن قلقها البالغ “إزاء التدهور السريع في الظروف المعيشية للاجئين السوريين في لبنان. فجميع اللاجئين السوريين تقريباً باتوا عاجزين عن توفير الحدّ الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة”.
- خفّضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مطلع العام 2023، عدد العائلات السورية اللاجئة في لبنان المستفيدة من المساعدات، وذلك لأسباب ربطتها بالشحّ الكبير في تمويل ميزانيتها المحددة لهذا العام والنقص في الموارد.
- كان لبنان قد أعاد أول دفعة من اللاجئين السوريين إلى بلادهم في تشرين الأول/أكتوبر 2022 بموجب “خطة العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم” في العام 2017، وتوقفت خلال جائحة كورونا، لكن منظمات إنسانية ودولية حذرت من عمليات “ترحيل قسري” في ظل عدم وجود ضمانات لعدم تعرضهم للانتهاكات. لكن الخطة لم تحصل على دعم أممي، ولم تلق أي تعاون من جانب النظام السوري.
- اعتبرت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في تشرين الأول/اكتوبر 2022 أن “اللاجئين السوريين في لبنان ليسوا في موقف يسمح لهم باتخاذ قرار حر ومستنير بشأن عودتهم بسبب السياسات الحكومية التقييدية المتعلقة بالتنقل والإقامة، والتمييز المتفشي، وعدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، فضلًا عن عدم توفر معلومات موضوعية ومحدّثة حول الوضع الحالي لحقوق الإنسان في سوريا”.
- واعتبرت المنظمة أن “السلطات اللبنانية، بتسهيلها المتحمس لعمليات العودة هذه، تُعرّض اللاجئين السوريين عن علم لخطر التعرض لأشكال بشعة من الانتهاكات والاضطهاد عند عودتهم إلى سوريا. على لبنان احترام التزاماته بموجب القانون الدولي ووقف خططه لإعادة اللاجئين السوريين بشكل جماعي”.
- وثقت العفو الدولية في تقرير صادر خلال أيلول/سبتمبر 2021، “كيف واجه اللاجئون السوريون التعذيب والعنف الجنسي والاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي لدى عودتهم إلى ديارهم”.
- تقول العفو الدولية: “لبنان لم يوقع على “اتفاقية اللاجئين لعام 1951″، لكنه ملزم بمبدأ عدم الإعادة القسرية الوارد في القانون الدولي العرفي، وعدم إعادة أي شخص إلى مكان يمكن أن يتعرّض فيه للاضطهاد أو التعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة، أو تكون فيه حياته مهددة، بموجب قانون حقوق الإنسان”.
ويتهم “الراعي” في تصريحاته أيضا اللاجئين بـ”العودة إلى سوريا من معابر شرعية وغير شرعية بشكل متواصل ومنظور”، وأن “الأسرة الدولية تحميهم على حساب لبنان لأسباب سياسية ظاهرة وخفية”.
في هذا الجزء من تصريح البطريرك نجد أيضا تعميمه في الجزم أن اللاجئين يعودون إلى سوريا عبر معابر شرعية وغير شرعية، وهو ما يفتقد إلى أدلة قطعية، كما أن اتهامه للأسرة الدولية بـ”حماية اللاجئين السوريين على حساب لبنان لأسباب سياسية ظاهرة وخفية”، يفترض وجود مؤامرة على لبنان، وهو ما تنقصه الأدلة أيضا؟
وفي الجزء الأخير من تصريحاته يدعو “الراعي” إلى “وجوب العمل من قبل النواب والمسؤولين اللبنانيين مع الأسرة الدولية على إرجاعهم إلى وطنهم ومساعدتهم هناك”.
وهي دعوة تمتلك مشروعية إذا ما تمت فيها مراعاة حقوق اللاجئين السوريين المنصوص عليها في اتفاقية اللاجئين ومعاهدات حقوق الإنسان، والتي تتحمل الدولة المضيفة مسؤولية ضمانها.
وتتناول هذه الحقوق إمكانية البقاء في البلد المضيف وعدم إعادتهم إلى بلدهم الأصلي (عدم الإعادة القسرية على سبيل المثال) والتعليم والرعاية الصحية والسكن والعمل والأسرة، من جملة أمور أخرى.
- لا يمكن الجزم بأن وجود اللاجئين السوريين هو السبب الرئيس وراء الأزمة وتدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، وإن كان بعض الآراء ترى في هذا الوجود سبباً لتعميق الأزمة أكثر، خاصة وأن البنك الدولي اتهم في تقريره مطلع عام 2022، “طبقة النخبة في لبنان، والتي استولت على الدولة منذ فترة طويلة وعاشت من ريعها الاقتصادي، هي التي دبرت الأزمة”.
- يظهر البحث أيضا أن الدعوات إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بعد 12 عاماً من الحرب، تتكرر مع مخاوف من حدوث عملية تغيير ديمغرافي في لبنان. في ظل تكرار وقوع حوادث عنصرية بحق اللاجئين السوريين في لبنان في السنوات الثلاثة الأخيرة، وفق وسائل إعلام دولية ولبنانية.
تبين أيضا أنه وخلال السنوات القليلة الماضية دأب “الراعي” على مهاجمة اللاجئين السوريين في أكثر من مناسبة.
- ففي 18 كانون الثاني/يناير 2016 شدد بشارة بطرس الراعي في قداس اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين، على أنه “لا يمكن أن يتحمل لبنان أن يكون نصف سكانه من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، كما لا يمكن أن يكون استقبال اللاجئين على حساب اللبنانيين”.
البطريرك الراعي يترأس قداساً في اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين | Abouna
- وفي 19 أيلول/سبتمبر 2021 وحزيران/يوليو 2022 دعا إلى “إعادة اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا، لأنه من غير الممكن حدوث عودة طوعية “،على حد تعبيره.
البطريرك الراعي يدعو إلى ترحيل اللاجئين الفلسطينيين من لبنان | | صحيفة العرب (alarab.co.uk)
- وكان الراعي قد حذر اللاجئين السوريين في أيلول/سبتمبر 2022، من “حرب ثانية” يفرضونها على أنفسهم “سيهدمون فيها ثقافتهم وحضارتهم بأيديهم”، واتهم اللاجئين السوريين بـ”البقاء في لبنان على حسابه وتعطيل الاقتصاد والحياة في لبنان”.
في المحصلة توصل الفريق إلى جملة نتائج هي كالتالي:
- أطلق البطريرك بشارة اتهامات في صيغة تعميم، بحق اللاجئين السوريين، حول تعكير الأمن الاجتماعي، واستنزاف مقدرات لبنان، ومنافسة اللبنانيين على لقمة العيش، وهي اتهامات غير مدعومة بأدلة قطعية.
- تدعم تصريحات “الراعي” فرضية نظرية المؤامرة، فيما يتعلق بـ”الأسرة الدولية وحمايتها للاجئين السوريين على حساب لبنان لأسباب سياسية ظاهرة وخفية”، وهذا يعتبر ضرباً من التضليل في ظل عدم وجود أدلة قطعية تثبت ذلك.
- تتكرر تصريحات “الراعي” منذ سنوات بحق اللاجئين في ظل تزايد الحوادث العنصرية تجاه اللاجئين السوريين في لبنان، ووجود خطة للحكومة اللبنانية لإعادتهم إلى بلادهم قسرياً بشكل يخالف القوانين الدولية ذات الصلة، الأمر الذي أثار اعتراض منظمات إنسانية ودولية ولبنانية.
- يحمل البطريرك اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، فيما تعتبر منظمات دولية إنسانية أن الأزمة أثرت على اللاجئين السوريين بشكل كبير ، كما حملت مؤسسات دولية سبب الأزمة لطبقة النخبة السياسية في لبنان.
- تؤكد منظمات إنسانية دولية أن نسب ساحقة من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
- إن تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، يعني ضرباً من التحريض ضد فئة مستضعفة يحميها القانون الدولي.
أخيرا وبالاستناد إلى ما سبق فإن تصريحات البطريرك بشارة الراعي تنطوي على تحريضٍ ضد اللاجئين السوريين، في ظل تصاعد خطابٍ للكراهية ضدهم، لذا يمكن إدراج تصريحاته تحت بند خطاب الكراهية، وفق معايير فريق TRUE .